أقوال الأئمة الأربعة في الفقه:
يُعتبر الفقه الإسلامي أحد أعمدة الشريعة التي تهدف إلى تنظيم حياة المسلمين في مختلف جوانبها. وقد كان للأئمة الأربعة في الفقه الإسلامي، وهم الإمام أبو حنيفة، الإمام مالك بن أنس، الإمام محمد بن إدريس الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، دور كبير في تأسيس وتطوير الفقه الإسلامي من خلال آرائهم واجتهاداتهم. وقد تبنى كل إمام من هؤلاء الأئمة منهجًا خاصًا في تفسير الشريعة واستنباط الأحكام. في هذا المقال، سنتناول بعضًا من أقوال الأئمة الأربعة في الفقه ونتعرف على اختلافاتهم وتوافقهم في بعض القضايا.
1. الإمام أبو حنيفة (80 هـ – 150 هـ):
الإمام أبو حنيفة هو مؤسس المذهب الحنفي، وقد تميز اجتهاده بالمرونة والانفتاح على مصلحة الأمة. كان معروفًا بالاعتماد على الرأي والاستدلال العقلي إلى جانب النصوص الشرعية. وقد قال في ذلك: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.” وهذا يدل على تواضعه في الاجتهاد واحترامه لآراء الآخرين.من أشهر أقواله أيضًا في الفقه: “إنما الفقه الرأي، وأقول فيه بغير علم فهو كفر.” كان يرى أن الفقه لا يقتصر على النصوص فقط، بل يجب أن يُستنبط بعناية من خلال مراعاة مصلحة المسلمين. كما كان يُفضل العمل بالقياس في الأحكام الشرعية عندما لا يوجد نص صريح.
2. الإمام مالك بن أنس (93 هـ – 179 هـ):
الإمام مالك بن أنس هو مؤسس المذهب المالكي، الذي اعتمد على الحديث الصحيح والعمل بما كان عليه أهل المدينة في عصره. كان يُعظم الحديث النبوي الشريف والعمل به، وكذلك يُعطي اهتمامًا خاصًا لما كان عليه أهل المدينة من ممارسات لأنهم عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أقرب إلى فهم سنته.من أشهر أقواله: “ما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا.” هذا القول يعكس اجتهاده في أن الممارسات التي لم تكن موجودة في عصر الصحابة لا يمكن اعتبارها جزءًا من الدين، ويجب رفضها إذا لم تكن مبنية على نصوص شرعية.كما كان يقول: “إنا لا نُعطي في القول إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يكن ثم نصٌ عن النبي فاعتمدنا على ما قاله الصحابة.” وهذا يعكس حرصه على المحافظة على صحة النصوص والآراء المستندة إليها.
3. الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150 هـ – 204 هـ):
الإمام الشافعي، مؤسس المذهب الشافعي، كان يُعتبر مؤسس علم أصول الفقه، وقد قدم منهجًا جديدًا في الاجتهاد. هو الذي أرسى قواعد استخدام الكتاب والسنّة كمصدرين أساسيين للتشريع، وأكد على أهمية القياس عندما لا يوجد نص.من أشهر أقواله في الفقه: “إذا صح الحديث فهو مذهبي.” هذه المقولة تعكس انفتاحه على الحديث الشريف كمصدر رئيسي للأحكام الشرعية، وكان يؤكد دائمًا على أن السُنّة الصحيحة لها الأولوية في الفتوى.كما كان يولي أهمية كبيرة للقياس، فقد قال: “القياس على النصوص هو من أدوات الاجتهاد التي تُلزم المجتهد بما تتفق عليه الأدلة.” كان يُفَضّل استنباط الأحكام من خلال فهم النصوص الشرعية، ومن ثم الاستفادة من القياس عند الحاجة.
4. الإمام أحمد بن حنبل (164 هـ – 241 هـ):
الإمام أحمد بن حنبل هو مؤسس المذهب الحنبلي، الذي اتسم بالتمسك الشديد بـ الحديث النبوي والعمل به. وقد كان أكثر الأئمة الأربعة تشددًا في تقبل الأحاديث الضعيفة وعدم الأخذ بالرأي إلا إذا كان مدعومًا بنص صحيح.من أشهر أقواله: “لا يُحكم إلا بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.” هذا القول يعكس شدة تمسكه بالحديث النبوي، وكان يرفض بشدة أي اجتهاد أو رأي لا يستند إلى نصوص قطعية.كما قال أيضًا: “من قال في الدين بغير علم فهو كافر.” كان يُؤكد على ضرورة الالتزام بالأدلة الشرعية وعدم التسرع في إصدار الأحكام من غير معرفة دقيقة.
5. التوافق والاختلاف بين الأئمة الأربعة:
على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين الأئمة الأربعة في بعض المسائل الفقهية، إلا أنهم اتفقوا جميعًا على المبادئ الأساسية للدين الإسلامي مثل توحيد الله واتباع السنة النبوية. ويُظهر اختلافهم في قضايا الفقه حرصهم على الاجتهاد وفتح أبواب الفهم للأجيال المقبلة.على سبيل المثال، يختلف الأئمة في كيفية التعامل مع القياس والحديث الضعيف، حيث كان الإمام الشافعي يولي القياس أهمية أكبر مقارنة ببقية الأئمة، بينما كان الإمام أحمد بن حنبل يرفض القياس في بعض الحالات ويصر على الاقتصار على النصوص الصريحة.
6. خاتمة:
أقوال الأئمة الأربعة في الفقه تُظهر مدى عظمة اجتهاداتهم وعمق فكرهم في تفسير الشريعة الإسلامية. من خلال آرائهم وفتاويهم، قدموا لنا نموذجًا حيًا للموازنة بين النصوص الشرعية والعقل البشري في استنباط الأحكام. وعلى الرغم من اختلافاتهم، إلا أن الهدف المشترك بين هؤلاء الأئمة كان دائمًا تحقيق مصلحة الأمة الإسلامية و
اتباع الهدي النبوي في كل ما يتعلق بالدين.