أقوال العلماء في تفسير القرآن الكريم:
تفسير القرآن الكريم هو أحد أهم علوم الشريعة الإسلامية، ويعنى ببيان معاني آيات القرآن الكريم واستخراج المقاصد الإلهية التي تضمنتها. ومنذ العصور الإسلامية الأولى، بدأ العلماء في تفسير القرآن الكريم بناءً على ما ورد من أقوال الصحابة والتابعين، مع الاستناد إلى الأحاديث النبوية الصحيحة. وقد اهتم العلماء بتفسير القرآن لأن فهمه بشكل صحيح يعد من أهم وسائل الهداية للإنسان، لذلك تعددت أقوالهم حول تفسير القرآن، واختلفت أساليبهم في فهمه. في هذا المقال، سوف نعرض بعض أقوال العلماء البارزين في تفسير القرآن الكريم.
1. ابن عباس رضي الله عنه (ترجمان القرآن):
ابن عباس رضي الله عنه، أحد أعظم علماء التفسير في تاريخ الإسلام، وكان يُلقب بـ”ترجمان القرآن” بسبب معرفته الواسعة بآيات القرآن الكريم. كان ابن عباس يؤكد أن التفسير يجب أن يكون مصدره الأساسي هو النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أبرز أقواله في تفسير القرآن، قال: “التفسير هو بيان معاني القرآن وإيضاح أسراره، وقد علمت تفسيره من رسول الله صلى الله عليه وسلم”. كان ابن عباس يعتمد على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من تفسيرات للأيات، ويعتبر الحديث النبوي أساسًا لفهم القرآن الكريم.
2. الإمام الطبري (أبو جعفر الطبري):
يعد الإمام الطبري من أشهر علماء التفسير في التاريخ الإسلامي، وله كتابه المشهور “جامع البيان عن تأويل آي القرآن” الذي جمع فيه أقوال الصحابة والتابعين في تفسير الآيات القرآنية. وقد قال الإمام الطبري في مقدمة تفسيره: “إن تفسير القرآن واجب على المسلم ما دام في حدود طاقته ومعرفته، لأن القرآن هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه”. كان الإمام الطبري يعتبر أن فهم القرآن ليس مجرد عمل لغوي، بل هو عمل تعبدي يستلزم الإلمام بجميع جوانب العلم، ويجب أن يكون التفسير مستندًا إلى مصادر صحيحة ودقيقة.
3. الإمام الشافعي (إمام المذهب الشافعي):
كان الإمام الشافعي من العلماء الذين ركزوا على أهمية الحديث النبوي في تفسير القرآن الكريم. وقد قال في هذا الصدد: “التفسير لا يمكن أن يُفهم إلا عن طريق الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالتفسير الصحيح للقرآن لا يكون إلا من خلال النقل الصادق”. وبهذا، يؤكد الإمام الشافعي على أن القرآن يجب أن يُفهم في ضوء السنة النبوية، ويجب تجنب الاجتهادات الشخصية التي قد تؤدي إلى تحريف المعاني.
4. الإمام ابن كثير (إمام المفسرين):
الإمام ابن كثير هو أحد أعلام علم التفسير، وله تفسيره المشهور “تفسير القرآن العظيم” الذي يُعد من أبرز كتب التفسير. كان ابن كثير يرى أن التفسير الصحيح لا يكون إلا من خلال الرجوع إلى القرآن نفسه، حيث قال: “تفسير القرآن بالقرآن هو أصل من أصول التفسير، ولا يجوز لنا أن نفسر الآية إلا بما يوافق آية أخرى”. كان ابن كثير يولي اهتمامًا كبيرًا بتفسير القرآن بالقرآن، فكل آية يجب أن تفسر في ضوء الآيات الأخرى التي تتناول نفس الموضوع.
5. الإمام الفخر الرازي (الإمام الرازي):
الإمام الفخر الرازي كان أحد العلماء المبدعين في علم التفسير، وقد جمع بين الفلسفة والعلم في تفسيراته. في كتابه “التفسير الكبير”، قال الرازي: “التفسير هو علم عميق يتطلب التأمل والبحث المستمر في المعاني، ولا يجوز الاعتماد فقط على المعنى الظاهر، بل يجب النظر في كل الآراء المتاحة للوصول إلى أعمق المعاني”. وكان الإمام الرازي يُشدد على ضرورة التفكير العميق والعقلاني في تفسير القرآن، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الآراء وتعدد التفاسير.
6. الإمام الغزالي (الإمام أبو حامد الغزالي):
الإمام الغزالي كان يركز في تفسيراته على البعد الروحي والأخلاقي للآيات القرآنية، حيث قال: “تفسير القرآن ليس محصورًا في المعنى الظاهر فقط، بل يجب أن يتوسع في فهم المقاصد الروحية والأخلاقية التي يتضمنها القرآن الكريم”. ركز الإمام الغزالي في تفسيراته على الجوانب النفسية والروحية، محاولًا استخراج الدروس الأخلاقية والروحية التي يتعلمها المسلم من القرآن الكريم.
7. ابن جرير (ابن جرير الطبري):
قال ابن جرير في تفسيره “جامع البيان”: “التفسير يجب أن يتوافق مع المعنى الذي أُريد من الآية، والذي جاء في لغة العرب التي نزل بها القرآن”. وقد كان ابن جرير يؤمن بأن التفسير لا يكون إلا من خلال المعنى اللغوي الصحيح للآية، مستندًا إلى قواعد اللغة العربية في تفسير كلمات القرآن وألفاظه.
خاتمة:
إن تفسير القرآن الكريم هو علم عميق وحساس يتطلب التوجه إلى القرآن والسنة النبوية كمصادر أساسية لفهم معاني الآيات. وقد اتفق معظم العلماء على أن التفسير يجب أن يكون مستندًا إلى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مع مراعاة الاجتهادات العقلية التي تهدف إلى توضيح المعاني العميقة للقرآن. وقد تتعدد أساليب التفسير بين العلماء، لكنهم جميعًا اجتمعوا على ضرورة الرجوع إلى المصادر الصحيحة وعدم التفرد بالرأي في تفسير آيات الله.